بقلم: تمارا حداد.
قبل الخوض في غمار الموضوع علينا إدراك أن بُنية الاحتلال هي “العقيدة الأمنية العسكرية” وهي من تُحدد مسار الخطوات الاسرائيلية وإن حصلت التغيرات القضائية التي تُجابه بشراسة من قبل المُعارضة إلا أن الجيش الإسرائيلي “الدولة العميقة” يبقى متمسكاً بزمام الأمور ويضع الرؤية في التعامل سواء مع الواقع الداخلي او الجانب الفلسطيني أو الاقليمي أو الدولي، وبالتالي التعامل مع أي اجتماع يتم عقده في أي بُقعة كانت سيكون المحور الأساسي بالنسبة للجانب الإسرائيلي هو الطابع الامني فهو البُنية التنظيمية والمؤسسية لدولة الاحتلال.
عند الحديث عن اجتماع شرم الشيخ القادم وبمشاركة مصرية أردنية أمريكية فلسطينية إسرائيلية لابُد الإشارة على نتائج قمة العقبة والتي شهدت تنصلاً واضحاً وصريحاً من قبل القيادات السياسية الاسرائيلية عبر الإعلام العبري والتي كان مفادها أن اجتماع العقبة لن يتم تنفيذه، وكما أن قيادات الجيش الإسرائيلي ما زال ملتزماً برؤيته الحفاظ على الأمن القومي للاحتلال من خلال الاستمرار في الاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات التي خلفت قرابة تسعون شهيداً من بينهم 17 طفلاً وسيدة خلال العام 2023 ناهيك عن الاقتحامات اليومية في القدس بدخول قُرابة مئتين مستوطن وقد يزيد يومياً، ناهيك عن الإنتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين الذين ما زالوا مستمرين في العصيان الذي وصل إلى اليوم 33 لنيل مطلبهم الحقوقي والإنساني.
ناهيك عن الاقتحامات اليومية لمناطق الضفة الغربية وكل هذه الانتهاكات إشارة إلى استمرار الاحتلال إلى قلع جذور المقاومة الفلسطينية من الضفة الغربية والقدس وهذه النُقطة التي ما زال مستمراً فيها واشارة ان اجتماع العقبة بالنسبة للجانب الاسرائيلي فعلاً كان أمنياً لرفع العمليات الاستباقية ضد المقاومة.
لكن لم ينجح هدف تخفيض التوتر والدليل عملية تل أبيب التي كانت رداً طبيعياً لما يقوم به الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وكما أن ظهور تشكيلات عسكرية شبابية فلسطينية في الضفة الغربية إشارة لاستمرار حالة التصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية وهذا انعكاس لفشل قمة العقبة ذو البُعد الامني، لذا فإن اجتماع شرم الشيخ الذي سيأتي بعد اجتماع العقبة وبوقت قصير بينهما سيكون اجتماعاً لتثبيت التفاهمات التي كانت في قمة العقبة وإعادة صياغتها بذات المفهوم وبطرق وأدوات أخرى لتنفيذ ما جاء ببنود العقبة لخفض التوتر وترسيخ الهدوء، وهدف الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك التفرغ لأمور أكبر وهي الحرب الأوكرانية الروسية والتوسع الصيني الروسي في منطقة الشرق الأوسط والتفرغ نحو ايران وتخييرها بخيارين إما الحرب او الاستسلام.
إن هدف اجتماع شرم الشيخ هو التوصل لتفاهمات تضمن تحقيق الأمن للاحتلال واتخاذ سياسات عملية نحو تحقيق ذلك بالتحديد نحن قُبالة شهر رمضان المبارك الذي من المحتمل أن يشهد تصعيداً كبيراً بسبب اقتحامات المستوطنين وعدم احترام القُدسية الدينية خلال هذا الشهر وامام عدم تقديم التسهيلات للفلسطينيين بحُجة تخفيف حالات الاشتباك بين الجيش والفلسطينيين، وهذا الامر سينعكس نحو رفع وتيرة التصعيد بسبب الاحتلال في القدس والضفة والذي سيُولد مواجهة فعلية من قبل الفلسطيني.
أن هدف اسرائيل أمني بحت لن تُحقق أي أفق سياسي واقتصادي للجانب الفلسطيني لا يهمها سوى تحقيق الأمن والاستمرار في قضم الأرض رويداً رويداً دون ظهور ذلك في الإعلام تفادياً للمواجهة بالتحديد ان الحكومة الحالية لا تؤمن بأي خيار للسلام الحقيقي أو السير في التفاوض فهي تؤمن بأن أرض الضفة الغربية هي أرض مقدسة توراتية بحتة.
فالاحتلال سيحضر الاجتماع مجبراً وبضغط أمريكي ولن يُنفذ أي أمور تخص الجانب الفلسطيني حول التسهيلات خلال شهر رمضان المبارك وإرجاع الاموال الفلسطينية إلا اذا كان هناك ضغطاً من قبل الجانب الاردني والمصري والامريكي تفادياً لتصاعد المواجهات في القدس وتفادياً لارتفاع وتيرة التعاطف العربي خلال شهر رمضان المبارك.
وقد يُفاجأ الاحتلال الجميع بأن لا يحضر الاجتماع بحجة الحدث الأمني في شمال إسرائيل والذي وصفوه بأنه خطير وما زال خيار جيش الاحتلال نحو الرد على الحدث الامني نحو حرب إما على حزب الله او ايران او قطاع غزة حسب المعلومات المتوفرة لديهم، والسبب الآخر لعدم الحضور كون اجتماع شرم الشيخ هو امتداد لاجتماع العقبة من أجل التوصل لتفاهمات واذا وصلوا إلى تفاهمات فإن الاحتلال ان “حضر الاجتماع مُجبراً” من قبل الجانب الأمريكي فلن ينفذ التفاهمات طالما السياق التفاهمي ليس من مصلحة إسرائيل.
ولا بُد الاشارة أن مستقبل الجيش هو الوجهة اليمينية المُتطرفة ليُحقق الهدف وهو بناء الدولة اليهودية من “الفرات الى النيل” وبات الأمر واضحاً من خلال التغيُر في الدولة من العلمانية إلى الدولة المُتدينة التي تنفذ “الشريعة اليهودية” و”الأصولية الدينية التوراتية” وتطبيق تعاليم ” الكتاب المُقدس” لتحقيق الرؤية الدينية المتشددة بعيدة المدى، ورؤية السلام بنظرهم مختلفة كلياً عن رؤية السلام الحقيقي فرؤيتهم إنهاء الهوية الفلسطينية وإنهاء الوجود الجوار العربي بطابعه الحالي إلى دول تتبع المملكة اليهودية وتحقيق رؤية ” سفر يهوشع” وهي الأساس الايديولوجي لنشاط الحكومة الحالية والمستوطنيين والذين يقومون بأعمال عدائية ضد الفلسطينيين وبحماية الجيش وبقرار سياسي وحماية الحاكم الفعلي للضفة الغربية “سموتريتش”.
ان رؤية الدولة الدينية لا تقبل بالمفاهيم العلمانية وأبرزها وجود السلطة الفلسطينية والتي تعمل نحو تقليص وجودها رويداً رويداً ويتم انهاؤها آجلاً ام عاجلاً وان تم مخالفة ذلك من قبل الجانب الامريكي والاوروبي الا ان رؤية الدولة الدينية لا تتقبل وجود السلطة، لذا فان الاصلاحات القضائية مستمرة لن تتوقف عند حد معين رغم معارضة الجانب الامريكي حول التغيرات الا ان الحكومة الحالية ستستمر في التغيُرات لتثبيت اركان الدولة اليهودية والتي عمل على تشييدها نتنيناهو منذ العام 1996 حتى اللحظة والان هي اللحظة الحاسمة وبوجود سموتريتش وبن غفير سيشجعه على اكتمال الدولة اليهودية الطائفية العنصرية.
ان هذا الامر سينعكس على تصاعد وتيرة العمليات الفدائية في الواقع الفلسطيني فهي المؤرق للاحتلال في تنفيذ مشاريعه لذا يعمل على تشييد اجتماعات لازالتها كوجهة سياسية لتنفيذ سياسة الضم النهائية وان كان غير معلناً من خلال سيطرة سموتريتش على الادارة المدنية عبر نائبه واطفاء الطابع المدني على كافة الانظمة العسكرية في الاراضي الفلسطينية والاستمرار في الاستيطان لانهاء القضية الفلسطينية.
وفي الداخل المحتل سيستمر الصراع بين الحاخامات والقيم العلمانية حتى حسم الامور نحو التوجه الديني رغم تضرر العلاقات الخارجية لكن التغير الداخلي سيتحول الى امراً واقعاً لا يمكن رفضه وسيبقى التمويل العسكري والمادي والامني من قبل الامريكان لدولة الاحتلال لابقاء اكبر قاعدة عسكرية امريكية في منطقة الشرق الاوسط والحفاظ على وظيفتها الامنية .
خلاصة: من يدفع الثمن هو الشعب الفلسطيني لان الحلقة الأضعف هو الوضع السياسي الفلسطيني وما زال الإطار الفلسطيني الوحدوي فاقد الوجود وهذا ما يشجع الاحتلال على الاستمرار في تنفيذ مشاريعه اللاهوتية المتشددة التي لن تتوقف حتى استكمال المشروع الدولة اليهودية من خلال رفض قيام الدولة الفلسطينية والاستمرار في الاستيطان وتعزيز العامل الديمغرافي من خلال الاتيان بالمستوطنين المتدينيين الحالمين بالمملكة اليهودية وهروب العلمانيين من اسرائيل او الحرب المفتوحة على جميع الصعد الداخلية والخارجية، كسياسة إلهاء لتمرير قوانين أكثر عنصرية وفاشية ضد الفلسطينيين.