رام الله – المواطن
افتتح رئيس الوزراء، محمد اشتية، اليوم السبت، المؤتمر السنوي لمركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ الذي يعقد تحت رعاية الرئيس محمود عباس.
وتتواصل جلسات المؤتمر في كلمة، الذي حضره أعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعدد من الوزراء والسفراء، واكاديميون وباحثون، على مدى يومين في رام الله بعنوان “تاريخ وآثار فلسطين مراجعة نقدية”؛ ويشارك فيه نخبة من الباحثين.
وقال رئيس الوزراء في كلمته نيابة عن الرئيس عباس، في افتتاح أعمال المؤتمر: “إن أهمية المؤتمر، ودور الباحثين المشاركين فيه، يكمن في إحضار المغيب، وتصحيح المزور، وإسناد روايتنا في مواجهة رواية الآخر، وتعزيز الحق التاريخي وصولا لإنهاء الاحتلال والحفاظ على الحقوق الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني”.
وتابع: “إن حفظنا للتاريخ نابع من سعينا لحفظ المستقبل الحر لأولادنا، ولأبناء شعبنا من أجل إقامة دولة فلسطين الحرة المستقلة وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين”.
وقال اشتية: “إن الصراع الذي نشأ مع بدايات الاستعمار، ليس حول تاريخ فلسطين فحسب، بل حول تاريخ الفلسطينيين في فلسطين؛ الشعب، والأرض؛ فإسرائيل التي ادعت أن فلسطين أرض الميعاد، أتت لتقول بأنها أرض متنازع عليها، حيث مارس الاحتلال كل أشكال القمع وانتهاج السياسات العنصرية ضد شعبنا ولا سيما ضد أهلنا في مدينة القدس وتعاملوا معهم باعتبارهم مقيمين وليسوا سكانا أصليين”.
وأضاف رئيس الوزراء: “نحن لسنا بحاجة لتقديم براهين تثبت أننا أصحاب الأرض الأصليين، ولكننا نعمل على تبيان الحقيقة حتى لا يقع البعض في فخ الفرية الصهيونية التي تستند إلى دوافع سياسية ودينية استيطانية استعمارية عنصرية لإبعاد شعبنا عن أرضه التي يواصل الدفاع عنها ولن تثنيه كل الممارسات والسياسات العنصرية عن بلوغ أهدافه بالحرية والاستقلال وإقامة دولته”.
وقال: “علينا ألا نتوه في التحليل والتشخيص، فإسرائيل كيان استعماري استيطاني إحلالي؛ بدأت دوافعه سياسية اقتصادية، ثم سرعان ما تحولت إلى دينية، فعندما أراد هذا الاستعمار أن يعترف بنا وينصاع إلى حقائق التاريخ التي لم يستطع إنكارها أقدموا على قتل رابين الذي وقع معنا اتفاق أوسلو.
وأكد اشتية أن “رفض الشعب الفلسطيني لقانون القومية الذي يعتبر الصهيونية حركة تحرر وطني وحوّل الدين إلى قومية وأن حق العودة هو حق لليهود فقط إلى “أرض الميعاد”، وكأننا نحن الغزاة، لقد تم تصويرنا؛ على أننا إرهابيون متطرفون، وجرت كل ممارسات القتل ضد شعبنا بلا رحمة، فهم لا يريدون للعالم أن يتعاطف مع الضحية بل مع المجرم القاتل المحتل لأرضنا.”
وأشار اشتية إلى “ما تضمنته وثيقة إعلان الاستقلال من منظور وطني يؤكد أنه أرض فلسطين أرض الرسالات السماوية ولد الشعب العربي الفلسطيني نما وتطور وأبدع، وجوده الإنساني والوطني عبر علاقة عضوية وبلا انقطاع بين الشعب والأرض والتاريخ، هذا الشعب مطعم بسلالات الحضارة وتعدد الثقافات مستلهما تراثه الروحي عبر التاريخ”.
وقال: “معنى ذلك أن الشعب العربي الفلسطيني موجود على هذه الأرض منذ تاريخ أجداده الكنعانيين، وأن هذا الشعب واجه كل الغزوات والحقب الاستعمارية المختلفة، وأن آخر حقبة استعمارية بدأت مع نكبة فلسطين عام 1948، وما ترتب عليها من انطلاقة الثورة وعودة الوعي للقضية الفلسطينية محليا وعربيا ودوليا، وأن القضية الفلسطينية هي الأرض والإنسان والثقافة والفلكلور وغيرها، وهناك مؤرخون إسرائيليون بدأوا يلامسون الحقيقة ويسألون الأسئلة الصحيحة ومعهم مؤرخون دوليون، وهناك من ثبت الجغرافيا وتساءل عن التاريخ، وهناك من أثبت التاريخ وتساءل عن الجغرافيا”.
وأضاف :”إن السؤال أمام الباحثين وامامنا جميعا اليوم هو من أين هي مصادرنا عن تاريخ فلسطين، سواء كان ذلك الكتابات الاستشراقية التي علينا أن نواجهها، أو الأرشيف الاستعماري البريطاني، أو الأرشيف العثماني، والأرشيف الصهيوني الإسرائيلي الذي لولا وصول الباحثين إليه لما كانت هناك رسالة الماجستير التي وثقت مذبحة الطنطورة، كما أنه تم تأسيس مركز الأبحاث للتاريخ الشفوي للمدن والقرى الفلسطينية في جامعة بيرزيت، وقد كان لي شرف المشاركة في العديد من الأبحاث حول القرى المدمرة في فلسطين والتي شكلت لنا الذاكرة التراكمية والتاريخ الشفوي عن فلسطين، وكذلك ما هو متوفر لدينا من صور وافلام واغاني وفلكلور، كل هذه تشكل مصدر روايتنا عن تاريخنا الذي نفتخر به وننتمي إليه”.
بدوره، قال رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، الأكاديمي والباحث في علم الآثار والتراث الثقافي، حمدان طه، إن المؤتمر يعرض على مدار يومين نتائج الأبحاث حول تاريخ فلسطين من بداية العصر الحجري القديم حتى الوقت الحاضر، بدءًا من حضارة ما قبل التاريخ، مرورًا بمرحلة الاستقرار والتمدن، والمراحل التاريخية، الى جانب التسمية والجغرافية التاريخية وتطور الكتابة.
وبين أنه يشارك بالمؤتمر 35 باحثًا يمثلون عددًا كبيرًا من المؤسسات والجامعات الفلسطينية والتي تشكل أساسا لمقدمة حول تاريخ وآثار فلسطين انتهجت مبدأ التأليف الجماعي، وتخضع جميع الأبحاث للمراجعة والتحرير من قبل لجنة علمية.
وأشار طه الى أن هذه المقدمة الجامعة تهدف الى كتابة الرواية التاريخية بموضوعية شاملة استنادًا الى المصادر التاريخية واللغوية، ونتائج التنقيبات الأثرية والدلالات اللغوية، والأنثروبولوجية، وذاكرة المكان والتاريخ الشفوي، والآثار المجتمعية، وتسعى الى تحرير الرواية التاريخية من الإرث الاستعماري الذي علق بها، وبمجابهة الرواية الصهيونية المتحيزة التي استندت الى التوراة، وأسهمت في وأد التاريخ الفلسطيني، وهي موجهة لمستوى طلبة الجامعات والباحثين والمهتمين بتاريخ فلسطين، وتسعى الى تعميم الدور المحلي في كتابة التاريخ.
وقال: إن العمل يرتكز على الدراسات والمراجعات النقدية لأجيال من الباحثين والمؤرخين الفلسطينيين، وللدراسات النقدية لعدد كبير من العلماء الذين شاركوا في إعادة تقييم الرواية التوراتية، معتبرا أن المشروع ينطلق من اعتبار التاريخ الحضاري الفلسطيني متكاملا، ويقر بوحدة فلسطين الحضارية رغم التغيرات التي طرأت على الحدود عبر تاريخها الطويل، وعن الطبيعة التكاملية للشعب الفلسطيني وتنوعه الثقافي والديني، وتشمل كافة الثقافات والأقوام والديانات والعقائد التي نشأت على هذه الأرض، ويشمل تسجيل الأسماء التاريخية والجغرافية، وحفظ ذاكرة المكان.
وأوضح أن المشروع يمهد في مرحلته المقبلة الى انتاج سلسلة مجلات حول تاريخ فلسطين الحضاري باللغتين العربية والانجليزية بمشاركة دولية، وانتاج تطبيقات عملية للأبحاث التاريخية في الجامعات، الى جانب الاعلام والمعلومات السياحية والمعلومات العامة، داعيًا كل الباحثين في الداخل والخارج للمشاركة في هذا الجهد.
ويناقش المؤتمر في يومه الأول أربعة محاور، وهي: مداخل لدراسة تاريخ فلسطين، ومرحلة ما قبل التاريخ، ومرحلة التمدن “العصر البرونزي والعصر الحديدي”، ومرحلة ظهور الكيانات المركزية.
وفي اليوم الثاني يناقش المؤتمر خمسة محاور، وهي: فلسطين في عصر الامبرراطوريات، والفترة العربية الإسلامية، والعصور الوسطى والفترة العثمانية، وقضايا التاريخ المعاصر، واتجاهات جديدة لدراسة تاريخ فلسطين.
ويأتي مؤتمر “تاريخ وأثار فلسطين، مراجعة نقدية”، في إطار مشروع كتابة تاريخ فلسطين، لعرض نتائج الأبحاث حول تاريخ فلسطين من بداية العصر الحجري حتى الوقت الحاضر وهو مشروع بحثي علمي متعدد الأبعاد وقاطع للتخصصات ينطلق من تعميق الدور المحلي المغيب في كتابة تاريخ فلسطين.
ويهدف البحث إلى كتابة رواية تاريخية موضوعية شاملة بالاستناد إلى المصادر التاريخية واللغوية ونتائج التنقيبات الأثرية والدلائل اللغوية والأنثروبولوجية وذاكرة المكان والتاريخ الشفوي والآثار المجتمعية، إضافة إلى تحرير الرواية التاريخية من الإرث الاستعماري الذي علق بها ومجابهة الرواية الحصرية الصهيونية المتحيرة التي استندت إلى التوراة، والتي أسهمت في وأد التاريخ الفلسطيني على حد قول العالم البريطاني كيت ويتلام.
وعلى مدار السنة الماضية عمل فريق من المؤرخين وعلماء الآثار على إنتاج مادة “مقدمة في تاريخ وآثار فلسطين، والتي تضع أساسا منهجيا ومعرفيا لكتابة تاريخ فلسطين بشكل موسع في المرحلة القادمة، ويرتكز العمل على الدراسات والمراجعات النقدية لدراسات ما بعد الاستعمار لإدوارد سعيد وتوماس تومبسون وإيلان بابيه وآخرين.
وينطلق المشروع من اعتبار التاريخ الحضاري الفلسطيني كلا متكاملا ويقر بوحدة فلسطين الحضارية رغم التغيرات التي طرأت على الحدود عبر تاريخها الطويل، كما يؤكد الطبيعة التكاملية للشعب الفلسطيني وتنوع الثقافي والديني وتشمل كافة الثقافات والأقوام والديانات والمعتقدات والمجموعات والأصوات التي نشأت وتبلورت على هذه الأرض ويشمل المشروع تسجيل الأسماء التاريخية والجغرافية وحفظ ذاكرة المكان.
ويهدف المشروع في مرحلته القادمة إلى إنتاج سلسلة مجلدات حول تاريخ فلسطين الحضاري باللغتين العربية والإنجليزية، وإنتاج تطبيقات عملية للأبحاث التاريخية في المناهج للمدارس والجامعات إلى جانب الإعلام والمعلومات السياحية والمعلومات العامة، ويهدف المؤتمر إلى عرض ونقاش نتائج الأبحاث والدراسات المقدمة في كتاب بعنوان مقدمة في تاريخ وأثار فلسطين.