بقلم: تمارا حداد.
تُعتبر منطقة الشرق الأوسط مركز الصراع العالمي نظراً لما تكنزه من ثروات وكنوز طبيعية تجعل الدول العالمية تتصارع لأجل البقاء، والصين سعت نحو تعزيز تواجدها الاقتصادي في المنطقة ضمن لعبة الدول العُظمى والمصالح السياسية الدولية.
في بداية الخمسينيات القرن الماضي كانت العلاقة بين الصين ومنطقة الشرق الاوسط تتسم بالمحدودة وكانت تقتصر حول العلاقات الاقتصادية التجارية ضمن سياق المساعدات بالمقارنة حول تواجد الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر منطقة الشرق الاوسط هي نفوذها الخالص دون منافس، لكن تغيرت سياسة الصين الخارجية ضمن لعبة الامم من خلال ايجاد تمركُز ونفوذ في منطقة الشرق الاوسط حرصاً على تواجدها السياسي الدولي كدولة كبرى.
في العام 1971 بدأت الصين تنسج علاقات دبلوماسية مع دول عربية ابرزها، الكويت، تركيا، ايران، تونس ليبيا، لبنان، الاردن، ايران، عُمان، ودائماً كان تتبنى الصين رؤية “اللاءات الثلاث” بعدم التصويت في الامم المتحدة وعدم الانفاق على الدول وعدم الموافقة، وفي العام 1978 كان التوافق بين الصين وامريكا واسعاً في الكثير من المجالات بسبب عدم تدخلها في منطقة الشرق الاوسط الا ضمن الواقع الاقتصادي المحدود، لكن بعد العام 1980 بدأت الصين تبلور رؤيتها بإعادة النظر في اعادة تواجدها في المنطقة نظراً كونها اكبر سوق عربي مستهلك واهم سوق لاستيراد البضائع الصينية ليصل حجم المشاريع الاقتصادية فيها بنسبة 90% ، وعلى مستوى دولة اسرائيل فالعلاقة بينهما قوية حيث كانت الصين تستورد منها الاسلحة المتطورة وتُصدر لها البضائع الاقتصادية حتى اصبحت منطقة الشرق الاوسط رابع شريك للصين.
رغم العلاقات المتناقضة للدول في الشرق الاوسط الا ان الصين دائماً تحافظ على مسافة واحدة بينها ضمن سياسة “آلية تشغيل السياسة والاقتصاد” كسمة اساسية للصين في منطقة الشرق الاوسط، وبعد العام 2001 بدات العلاقات الامريكية الصينية بالتراجع، لتصبح منطقة الشرق الاوسط بالنسبة للصين كواحد اهم في المجالات المالية والتجارية والاستثمارية والرياضية والطيران والنقل البحري والجوي والتبادل الثقاقي، الامر الذي اغضب الامريكان من الصين لازدياد نفوذها المتعدد الاشكال في المنطقة.
العلاقات الاقتصادية وامن الطاقة بين الصين والشرق الاوسط تتبع قوانين السوق، لم يؤرقه الصين مشاكل منطقة الشرق الاوسط بعد الفوضى الخلاقة ولم يشارك بعمق في اللعبة السياسية في الشرق الاوسط بل حافظ على رؤية” انفصال شامل” عن الشؤون الاقليمية، لكن عززت الصين تدريجياً التعاون السياسي والاقتصادي بشكل مُتسارع مع دول منطقة الشرق الاوسط.
بعد انكماش سياسة الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط بدأت الصين إعادة حساباتها نحو المنطقة فزاد نفوذ الصين في مجال التكنولوجيا الحديثة وبناء البنية التحتية ومبيعات الاسلحة وانشاء المدن الذكية والملاحة الرقمية، لتصبح السعودية والامارات وتركيا ومصر من اكثر الدول تعاوناً مع الصين في تلك المجالات، ناهيك عن بناء الموانئ في السعودية وقطر وعُمان والامارات وايران واشدود في اسرائيل، وبيعها للطائرات بدون طيار للدول مثل الجزائر ومصر والعراق والاردن والامارات والسعودية، وبلغ الاستثمار الصيني المباشر في اسرائيل 4.62 مليار دولار اميركي، وفي الامارات كان 6.44 مليار دولار امريكي وهو ما يمثل 42.4% من استثمارات الصين في الشرق الاوسط ، وابرز الشركاء الثلاث للصين في المنطقة وهي السعودية والامارات والعراق، وايران تبرز علاقتها مع الصين ضمن السياق شراء النفط الخام دون الاستثمار التجاري الواسع بسبب العقوبات المفروضة على ايران، حيث اصبحت الصين اكبر مستثمر في الشرق الاوسط وبدات تحل محل اميركا، واصبحت الصين اكبر مستثمر لاسرائيل في العديد من المجالات حتى باتت تحل محل اميركا ضمن المجالات التكنولوجية، وهذا يشير ان الصين تُعزز علاقاتها القوية بين العرب واسرائيل بنفس المسافة بالنسبة للمصالح الاقتصادية.
اصبحت الصين اكثر انخراطاً سياسياً وامنياً في منطقة الشرق الاوسط وبدأت تتبنى مُبادرات تجاه المنطقة رغبة من الصين في انشاء قوة عالمية لديها جاذبية اكبر في المسرح الدولي ويُعد الشرق الاوسط ساحة مهمة بالنسبة للصين لترسيخ صورتها كقوة عظمى ضمن سياسة “دبلوماسية القوة العظمى” وتكريس مفهوم” مجتمع مُشترك للبشرية” وبدات الصين تُعزز وجودها في الملفات العالقة مثل القضية الفلسطينية وقضية ايران النووية وقضية دارفور السودان والقضية السورية والليبية، واصبحت تنسق المناورات العسكرية المشتركة بينها وبين روسيا وايران في المنطقة، الامر الذي يُقلق الولايات المتحدة الامريكية بالتحديد بعد العام 2020 نظراً لوجود مُنافس حقيقي في المنطقة، حيث اشارت اميركا ان الصين اصبحت المنافس في جنوب شرق آسيا وشمال شرق آسيا وروسيا واوروبا واليابان والهند وافريقيا وامريكا اللاتينية والشرق الاوسط من خلال تعزيز مشروع “الحزام والطريق” ناهيك عن بدء الصين ببلورة مشروع التنمية في المنطقة وبالتحديد ان الشرق الاوسط الاكثر اعتماداً على الاقتصاد الصيني من خلال دفع المنتجات والخدمات الصينية لانطلاقها كقوى عالمية ضمن تعزيز التحول، ناهيك عن التحول المستقبلي نحو توسع النفوذ الصيني في المنطقة وإلحاحها نحو التغير في النظام العالمي من القطبية الى التعددية القطبية وعلى المستوى العالمي تتمتع كل من اميركا وروسيا والصين كقوى صاعدة وعلى المستوى الاقليمي تتصدر كل من تركيا واسرائيل وايران والسعودية والامارات وقطر، وهذا التنافس العالمي يشجع الصين الى عملية تعزيز تآكل النظام السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الامريكية وبالتالي الاضرار بمصالح اميركا .
قد تختلف الصين عن اميركا بطبيعة نفوذها حيث ان النفوذ الاميركي نفوذ صراع ضمن سياسة الحروب والهيمنة عكس سياسة الصين حيث تواجدها ونفوذها يأتي ضمن سياق التركيز على السلام وتحقيق الاستقرار طويل الأمد في منطقة الشرق الاوسط لذلك تسعى الصين الى تعزيز المبادرات لحل المشاكل الاقليمية وتعزيز التصالح كما حدث بين ايران والسعودية الى حين استكمال حل القضايا العالقة في المنطقة للتفرغ نحو تحقيق سوق استثماري صيني خالص في المنطقة من خلال اعتماد الصين على القوة السياسية الدبلوماسية بعيداً عن استخدام القوة للاستيلاء على السوق كما تقوم الدول التقليدية فهي تعزز وجودها من خلال استراتيجية كبرى لتشكيل شرق اوسطي سلمي مستقر متطور من خلال القوة الناعمة بخصائص صينية لفترة طويلة مع تنامي البعد الامني والسياسي في المنطقة.