على الرغم من مرور 15 عامًا على اغتيال عماد مغنية في العاصمة السوريّة، دمشق، لم تُعلِن إسرائيل حتى اللحظة بشكلٍ رسميٍّ عن قيامها بتنفيذ العملية، ولكنّ الكتاب الذي أصدره الإعلاميّ يوسي ميلمان، الخبير في الشؤون العسكريّة والاستخباراتيّة يكشِف النقاب عن عدّة أمورٍ لم تكُن معروفةً حتى اللحظة، ومنها أنّ مخابرات العديد من الدول، بما فيها العربيّة، شاركت في التخطيط وجمع المعلومات لإخراج عملية التصفية إلى حيّز التنفيذ.
كما أنّ الكتاب يكشِف عمق العلاقة بين دولة الاحتلال والولايات المُتحدّة الأمريكيّة في مجال تبادل المعلومات الاستخباريّة، والتنسيق بينهما في كيفية وآلية تنفيذ عمليات الاغتيال في الشرق الأوسط، ويُشدّد على أنّ الكلمة الأولى والأخيرة هي لواشنطن.
وقد نشر ميلمان، الذي يعمل محللاً للشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة فصلاً من كتابه في الصحيفة، الذي اعتمد على محافل أمنيّةٍ واسعة الاطلاع في تل أبيب، وأكّد فيه أنّ عماد مغنية، كان الهدف الأهّم للتصفية، حتى أكثر من الأمين العّام لحزب الله، حسن نصر الله، لأنّه كان المسؤول عن العمليات الفدائيّة التي أحرجت وأربكت إسرائيل، لافتًا إلى أنّ الرجل كان حذرًا للغاية، ويشُكّ كثيرًا، وفوق كلّ ذلك، كان يملك المقدرة على الهروب والاختفاء من أجهزة المخابرات التي كانت تُلاحقه.
ميلمان لا يكشِف بصورةٍ مُباشرةٍ النقاب عن أنّ إسرائيل هي التي كانت تقِف وراء عملية الاغتيال في الـ 12 من شهر شباط (فبراير) من العام 2008، وأنّها هي التي أخرجت عملية التصفية إلى حيّز التنفيذ، إلّا أنّ الاطلاع على الكتاب لا يترك مجالاً للشكّ، إذْ يؤكِّد المؤلِّف أنّ الأمر بتصفية مغنية صدر مُباشرةً من رئيس الموساد وقتذاك، مئير داغان، بعد أنْ حصل رئيس الوزراء آنذاك، إيهود أولمرت، على الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكيّ، جورج بوش الابن، ومن رئيس وكالة المُخابرات المركزيّة (CIA)، مُشيرًا إلى أنّ دور المخابرات الأمريكيّة في العملية كان هامشيًا، وبعد نجاح العملية، أضاف ميلمان، اتصلّ رئيس الموساد برئيس الوزراء أولمرت، الذي كان بالطائرة متوجهًا إلى واشنطن وأبلغه أنّ (العربيّ مات). يُشار إلى أنّ العنصريين في الكيان ومنذ عقودٍ من الزمن يستخدِمون مصطلح “العربيّ الجيّد هو العربيّ الميّت”.
علاوة على ما جاء أعلاه، شدّدّ الكتاب على أنّ اثنيْن من رؤساء الحكومة في إسرائيل، أرئيل شارون وأولمرت، منحا رئيسيْ الموساد، إفراييم هليفي ومئير دغان التصريح بتنفيذ عملية تصفية مغنيّة، كاشِفًا عن أنّ المُخطط الإسرائيليّ الأوّليّ، والذي على ما يبدو لم ينجح، كان اغتيال مغنيّة في حرب لبنان الثانية عام 2006 بواسطة صاروخٍ مُضادٍّ للطائرات يُطلَق عليه من طائرةٍ.
ونقلاً عن كبار الضبط بالمؤسسة الأمنيّة في تل أبيب أكّد ميلمان في كتابه أنّ مغنية كان يملك قدراتٍ خارقةٍ في التخطيط وتنفيذ العمليات ضدّ أهدافٍ إسرائيليّةٍ ويهوديّةٍ، بالإضافة إلى أهدافٍ عربيّةٍ مثل الكويت، وكان المسؤول من قبل حزب الله عن الاتصالات مع إيران وسوريّة، وعمليًا هو الذي أقام الجيش في حزب الله، ولذا فإنّ اغتياله من قبل إسرائيل، شدّدّ المؤلّف، اعتُبر إستراتيجيًا لأنّه من الصعب على الحزب إيجاد البديل له، علمًا أنّه كان يملك جميع أسرار الحزب ونصر الله.
الكاتب الإسرائيليّ كشف النقاب أيضًا عن أنّ أجهزة المخابرات التي كانت تُلاحِق مغنية وجدت صعوبةً بالغةً في تعقبّه، إذْ أنّها كانت تملك صورةً واحدةً له وهو في الـ 22 من عمره وهو في مقطورة طائر TWA في بيروت، ولكنْ فيما بعد، أشار ميلمان إلى أنّ عميلاً للموساد زوّد مُشغلّيه بصورةٍ محتلنةٍ لمغنية، مؤكّدًا أنّ وكالة المخابرات المركزيّة (CIA) فشلت عدّة مرّاتٍ في محاولاتها تعقبّه لكثرة عمليات التجميل في وجهه لتغيير ملامحه.
ووفقًا للكتاب، في العام 2007 بعد ما أسماها الكاتب بـ”هزيمة” حزب الله في حرب لبنان الثانية باتت زيارات مغنية لدمشق أكثر، وغدا الرجل أقّل حنكةً وحيطةً وحذرًا، الأمر الذي جعل من مهمة الموساد ووكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة سهلةً أكثر، وتمّ جمع المعلومات عنه، وقام رئيس الموساد داغان بزيارةٍ خاطفةٍ إلى واشنطن، حيثُ اجتمع هناك إلى نظيره الأمريكيّ، مايكل هايدن، حيثُ تمّ الاتفاق بينهما على تنفيذٍ مُشتركٍ لعملية الاغتيال، وبعد ذلك، أوضح المؤلّف، قام رئيس الوزراء أولمرت بزيارةٍ لواشنطن حيث اجتمع إلى الرئيس بوش، الذي أصدر أوامره لرئيس الـ CIA بمواصلة الاستعداد لتنفيذ عملية اغتيال مغنية.
وطبقًا لما جاء في الكتاب فقد قامت المخابرات الأمريكيّة بتهريب القنبلة التي أعدّتها إسرائيل لاغتيال مغنية إلى دمشق عن طريق الأردن، عبر سفارة واشطن بالعاصمة السوريّة، وهناك تمّ تسليمها لعملاء الموساد، وفي الـ 12 من شهر سباط (فبراير) من العام 2008، وصل مغنية إلى البيت الذي كان يستأجره بدمشق، حيثُ قام عملاء الموساد بتفجير القنبلة التي أدّت إلى مصرعه على الفور، وفق المصادر التي اعتمد عليها الخبير الأمنيّ الإسرائيليّ في كتابه.