جمال زحالقة
كشف طاقم اتحاد دولي لصحافيين ينتمون إلى 30 وسيلة إعلام مختلفة، عن خبايا شركة إسرائيلية متخصصة في القرصنة الإلكترونية، وترويج الأخبار الكاذبة والتلاعب بالرأي العام والتأثير في الانتخابات. وتصدّر النشر، أمس الأربعاء، العناوين الرئيسة لمواقع وصحف شاركت في التحقيق الاستقصائي، الذي جاء ضمن برنامج واسع لمنظمة «القصص الممنوعة»، الهادف إلى محاربة ظاهرة الأخبار الملفّقة في أرجاء المعمورة كافة. وجاء في التحقيق، الذي نشرته «الغارديان» و»لوموند» و»دير شبيغل» و»إلبايس» و»هآرتس» و»ذي ماركر» والإذاعة الفرنسية وغيرها، أن شركة تعمل في الظل وتطلق على نفسها «طاقم خورخي»، تدخلت في العقدين الماضيين في 33 انتخابات رئاسية في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وفرنسا، ودعمت مرشحين ضد آخرين من خلال عمليات تخريب وتضليل وتزييف وتشهير وانتحالات إلكترونية مركّبة.
هذه ليست أفعال شاذّة عن القاعدة، بل هي متأصّلة في نظام وبنية وثقافة القرصنة الإسرائيلية، التي تشكّل خطرا ممكنا وفعليا على الكثير من الدول والمجتمعات، خاصة أن الوحدات الأمنية الإسرائيلية المتخصصة بالتجسس، ترفد الشركات الإسرائيلية بالمئات من الخريجين، وقسم منهم لديهم مؤهلات وتبريرات كافية للخوض في غمار بيع وتقديم خدمات تجسسية متطوّرة وخطيرة، تستغل لخرق حقوق الإنسان واضطهاد الشعوب ودعم قامعيها.
تحقيق استقصائي
كشف التحقيق الاستقصائي، كما جاء في «الغارديان» و»هآرتس» و»لوموند» وغيرها، عن أن وحدة «طاقم خورخي» هي شركة إسرائيلية مركزها مدينة موديعين (الواقعة بين يافا والقدس في موقع النبي زكريا التاريخي، وفوق أراضي بئر ماعين والبرج وبرفيلية المهجّرة) يديرها ويملكها تال حنان (الذي يحمل الاسم المستعار خورخي) ويعمل فيها – كما قال: «خريجو أذرع حكومية جاؤوا من مجالات الاقتصاد والتواصل الاجتماعي والحملات الدعائية والحروب النفسية». وقد تمكّن صحافيّون من كشف خبايا «الطاقم» بعد أن انتحلوا صفة زبائن محتملين وطلبوا شرحا وافيا عن قدرات الوحدة وعن خبراتها قبل الدخول معها في عقد (وهمي) كبير للتأثير في انتخابات، وبالأحرى منع إجراء انتخابات في تشاد. وقامت طواقم صحافية في مواقع كثيرة في العالم بفحص دقة المعلومات، واتضحت صورة فظيعة عن التدخل في انتخابات في بلاد مثل نيجيريا وكينيا وإندونيسيا وفنزويلا والولايات المتحدة وغيرها. وخلال «بروفا» التأثير على تأجيل الانتخابات التشادية، استعرض العاملون في إدارة «طاقم خورخي» قدراتهم على اختراق حسابات الجيميل والتلغرام والفيسبوك التابعة لمقربين من الرئيس، وقاموا بإرسال رسائل عبرها، تبيّن لاحقا، بعد الفحص، أنها وصلت فعلا. واتضح في التحقيق أن الطاقم عمل ضد الرئيس الفنزويلي السابق شافيز المناهض للولايات المتحدة، وعمل أيضا ضد الرئيس النيجيري والكيني والإندونيسي، ومن المثير أنه اشترك في حملات شركة «كامبريدج اناليتكا» المشهورة بمشاريع التلاعب الكبرى في الانتخابات، التي ساعدت، في حينه، حملة ترامب عبر حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي. وتباهى تال حنان، صاحب الشركة بأن لديه حوالي 40 ألف حساب وهمي يمكنه تفعليها عبر برمجيات خاصة، واتضح في التحقيق الصحافي أنها حقّا فاعلة وفعّالة. لا يكتفي طاقم خورخي بتزويد المعنيين بخدمات التجسس على المنافسين، وتقصّي أخبارهم وخصوصياتهم، بل يقدم أيضا خدمة «المخابرات الفعّالة» عبر اختراع أخبار ونشر أسرار وتلفيق تهم وغير ذلك من الوسائل المنافية للقانون وللحد الأدنى من أخلاقيات المنافسة السياسية. هذه أمور مخالفة حتى للقوانين الإسرائيلية، ولكن يبدو أن الأجهزة الأمنية على علم بما تقوم به شركات مثل «طاقم خورخي» وتغض الطرف، إن لم يكن أكثر من ذلك. من غير المعقول أن المخابرات الإسرائيلية ليست مطّلعة على عمل «طاقم خورخي»، فهناك أخبار عن أنها استعانت به للكشف عن الحسابات البنكية التابعة لحزب الله في أمريكا اللاتينية، وأكثر من ذلك اسم الطاقم الرسمي «ديمومان العالمية» يرد في موقع وزارة الأمن الإسرائيلية، كشركة صادرات أمنية مسجّلة، وبموجب القانون الإسرائيلي، كل شركة وحتى كل صفقة بحاجة إلى مصادقة خاصة من سلطة الرقابة على الصادرات الأمنية والعسكرية، ومن المفروض أن يمر أي تصدير لأي خدمة أمنية عبر إجراءات بيروقراطية رسمية.