يعتبر محلل إسرائيلي أن الصراع الحقيقي في إسرائيل يدور بين اليمين الذي يريد دولة يهودية ديموقراطية واليمين الصهيوني الذي يريد دولة واحدة من البحر إلى النهر، ويتوقع تسمين الاستيطان و”تشريع” البؤر الاستيطانية. في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قال بن درور يميني إنه يجب الاعتراف للذين بادروا إلى إقامة البؤرة الاستيطانية الجديدة “أور حاييم”، التي صمدت ساعات قليلة فقط، بأنهم أوضحوا للإسرائيليين أنه حتى مع حكومة يمينية بالكامل، هناك قيود وخطوط حمراء. وتابع: “كما يوجد يسار صهيوني وطني في مواجهة يسار متطرف ومُعادٍ للصهيونية، يوجد أيضاً يمين صهيوني وطني في مواجهة يمين متطرف ومُعادٍ للصهيونية. وفي الواقع، منذ أعوام، توجد قواسم مشتركة كثيرة بين اليسار واليمين الوطنيين الصهيونيَّيْن، تماماً مثلما يوجد قاسم مشترك واسع بين اليسار واليمين المعاديَيْن للصهيونية. فاليسار واليمين الوطنيان الصهيونيان يريدان دولة يهودية ديموقراطية، بينما يريد الآخرون دولة واحدة كبيرة، من البحر للنهر رغم اختلاف توجهاتهم”.
أخبار سيئة
ويعتبر بن درور يميني أن الأخبار غير الجيدة أن اليسار واليمين الصهيونيَيْن غير مستعدَّيْن للتعاون، ويقول إنه منذ أقل من سنة ونصف السنة، تم تأليف حكومة وحدة وطنية، مع أغلبية من الوسط واليسار الصهيوني، لكن تحت تأثير جدّي من اليمين. وينوه أنه بعد الانتخابات الأخيرة، على الرغم من التعادل في أصوات الناخبين، تم تشكيل حكومة يمينية بالكامل مع كتلة من الحريديم، كان ناخبوها في العقد الأخير أكثر يمينيةً من اليمين.
وحسب بن درور يميني هناك في حزب الليكود بحد ذاته تتصادم وجهتان: هناك يمين صهيوني دولاني مسؤول، ويمين قريب أكثر في آرائه من الصهيونية الدينية، وأنه، على المستوى السياسي، نتنياهو ينتمي إلى “اليمين المعتدل”. في محاولة للتدليل على رؤيته هذه يقول بن درور يميني إن نتنياهو، في العقد الأخير، اتخذ مواقف سياسية معتدلة، أكثر فأكثر، في المفاوضات مع الفلسطينيين، كما وافق، من دون تصريحات، على قيام دولة فلسطينية على أكثر من 90% من المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 خلال المحادثات مع جون كيري وباراك أوباما. ويضيف: “لاحقاً، أعلن موافقته على قيام دولة فلسطينية على 70% من المناطق الفلسطينية، وفق مبادرة دونالد ترامب للسلام. لم تمر ثلاثة أسابيع على قيام ائتلاف حكومي يميني بالكامل، حتى برزت الخلافات بين معسكر اليمين على السطح. لم تبادر الحكومة إلى إقامة أي بؤرة استيطانية جديدة، لكن بؤرة واحدة “أور حاييم” أُقيمت بسرعة وأُزيلت بالسرعة عينها”. وبرأيه، فإن البنية المعقدة للصلاحيات الموجودة في الحكومة في ما يتعلق بالسيطرة على المناطق الفلسطينية خلقت الأزمة الأولى، مذكراً بوجود وزير أمن، وهناك وزير آخر إضافي في وزارة الأمن، هناك الجيش الخاضع لوزير الأمن، وهناك “إدارة مدنية” من المفترض أن تكون تابعة للوزير في وزارة الأمن.
ازوداجية الصلاحيات
ويقول بن يميني إنه وفقاً للقانون، يجب أن تكون “الإدارة المدنية” تابعة لـ “منسّق أنشطة الحكومة في المناطق الفلسطينية”، والسيادة الحقيقية على الأرض هي لقائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي. وعن تبعات ذلك يقول: “بنية غير قانونية هي التي ستتولى معالجة “الإدارة المدنية”، لكن ليس لهذه الإدارة قوات عسكرية خاصة بها. لذلك، فإن عمليات إخلاء البؤر يجب أن يقوم بها مَن يرتدون الزي العسكري التابعون للجيش، المسؤول عنه وزير الأمن. ولا ينتهي الموضوع عند هذا الحد، وبما أن جزءاً من الذين يرتدون الزي الرسمي هم من حرس الحدود في المناطق الفلسطينية فإنهم تابعون لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. ثمة شك في أن المحامين الذين صاغوا الاتفاقات بين الأحزاب يستطيعون الإجابة عن هذا السؤال البسيط: أين مصدر الصلاحيات؟ وعلى غرار محللين إسرائيليين كثر، يرى بن درور يميني أن هذه البنية المعقدة أقيمت لخدمة أغراض ائتلافية، وأن هذا سيئ للدولة، وسيئ للحكومة، وسيئ للجيش، وهو يشكل دوامة تضر فقط بالصلاحيات.
خلاف أيديولوجي
ويقول إنه في الخلفية، هناك خلاف أيديولوجي، لا يمكن لما يُسمى ائتلاف حاكم أن يطمسه: هناك موقف واضح لسموتريتش، فهو مع “أرض إسرائيل الكاملة”، ومع دولة واحدة كبيرة من البحر إلى نهر الأردن، وهو مع إقامة المزيد من البؤر الاستيطانية لمصلحة دولة يهودية، بينما النتيجة هي العكس تماماً، لأنه يروج للهجوم الزاحف نحو دولة ثنائية القومية. واستناداً لتجارب الماضي، يقول أيضاً إن يوآف غالانت موجود في مواجهة سموتريتش، وإنه خلال ظهوره في مؤتمر الرؤساء في الولايات المتحدة، لم يخفِ غالانت مواقفه فقد تحدث عن دولة فلسطينية، في ضوء واقع وجود 7 ملايين عربي بين نهر الأردن والبحر، في مقابل 7 ملايين يهودي. كما أوضح غالانت أن “سياسة الحكومة هي عدم البناء في الضفة الغربية.” حدث هذا في سنة 2016. كان غالانت يومها وزيراً للإسكان من حزب “كولانو” في النسخة السابقة من حكومة يمينية بالكامل.
التنكر للتعهدات الدولية
ويعتبر يميني أن المواجهة داخل الائتلاف الحكومي هي مواجهة مزدوجة: يوجد العديد من الصلاحيات والخلافات الأيديولوجية، الأرض مزروعة بالمستوطنات التي يمكنها أن تبقى تحت السيادة الإسرائيلية، وفق مقترحات السلام في العقود الأخيرة.
متجاهلاً حقيقة أن كل المستوطنات غير شرعية وتعتبر جريمة حرب يرى يميني أيضاً أن المشكلة تكمن في البؤر الاستيطانية “غير القانونية”، والمقصود قرابة 100 بؤرة استيطانية. ويستذكر أنه، في سنة 2003، تعهدت إسرائيل أمام إدارة جورج بوش بإخلائها، ولاحقاً تم إخلاءعدد ضئيل فقط، وجرى “تشريع” قرابة 30 بؤرة.
ويخلص المحلل السياسي الإسرائيلي بن درور يميني للقول: “بحسب الاتفاق الائتلافي، إسرائيل لن تنفّذ تعهداتها الدولية، بل ستقوم بتشريع بقية البؤر التي أُطلق عليها اسم ملتبس: “المستوطنات الفتية”. سموتريتش لا يكتفي بالاتفاق الائتلافي. فهو يطالب بمنع إخلاء كل البؤر غير القانونية. يمكننا أن نفهمه. فبهذه الطريقة أقيمت قرابة 100 بؤرة. فغالانت ونتنياهو أوقفا أمراً عبثياً صغيراً بإخلائهما بؤرة “أور حاييم”، لكن أموراً عبثية كثيرة لا تزال موجودة على الأرض”.